Title sheet 2.png

فايزه أحمد

 

 

لا يزال اللغط دائراً حول أصل الفنانة فايزة أحمد وما إذا كانت لبنانية أم سورية الأصل. لكن هذا اللغط يبدّده الذهاب إلى مسقط رأس الفنانة نفسها، أي إلى صيدا، حيث ولدت ونشأت وترعرعت في كنف عائلة الرواس الصيداوية المعروفة. ابنة أحمد الرواس ولدت في صيدا القديمة وهناك عرفت طفولتها الأولى قبل أن تغادر لتشق طريقها الفني في القاهرة. هناك في حارة الجامع العمري الكبير في صيدا القديمة، وفي منزل غير محدّد نظراً إلى تباعد الزمن، ولدت فايزة أحمد الرواس لعائلة من الطبقة الوسطى. على مقربة من البحر، ومن ميناء صيدا القديم، وفي مكان يتوسّط هذه المدينة الأثرية التي احتضنت خلال الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الفائت معظم العائلات الصيداوية التي سرعان ما تمدّدت خارج بوابات صيدا القديمة المعروفة، ومنها عائلة الرواس... هناك، ما بين البيت والحمّام الذي كان يملكه والدها، كان المشهد الأول الذي شكّل حواس فايزة أحمد وانطباعاتها الأولى. لا يذكر سكان صيدا القديمة الحاليون فايزة أحمد وإن كانوا يعرفونها ويحفظون الكثير من أغنياتها، كما يعرفون أن هذه الفنانة هي ابنة مدينتهم، ويشعرون بفخر خفي لذلك.
هناك في صيدا القديمة التقينا أحد أقرباء فايزة أحمد، عدنان الرواس إبن شقيق الفنانة الراحلة الذي تحدّث إلى "المستقبل" بنبرة مليئة بالحنين والوفاء إلى تلك الأيام التي قضاها مع عمته وبخاصة في مصر حين كان يزورها بشكل دائم وتستضيفه بحنانها المعتاد، وحين كانت تأتي إلى لبنان وتزور عائلتها في صيدا، وفي كل ما ذكره كان يحاول إنصاف فايزة الفنانة والإنسانة معاً، ويرى أنها ظلمت كثيراً في الناحيتين.
بداية أصرّ على توضيح اللغط حول جنسيتها ومولدها عبر التجوال بنا في منطقة حارة الجامع العمري وهناك كان يروي لنا عن إبنة صيدا. ولدت فيها وترعرعت حتى بلوغها الثالثة عشرة، وبأن إخراج قيدها يثبت بأنها ولدت عام 1934 مار نقولا، في صيدا، وهي بنت أحمد الرواس. قضت طفولتها في "حارة الجامع" ساحة باب المسجد العمري، أو ظهر المير، ضاعت آثار البيت. لكن الرواس يذكر بيت عمتها الذي عاشت فيه فترة قصيرة في شارع "زقزق حمص". والبيت الذي تغيرت معالمه كثيراً، يملكه اليوم أشخاص غرباء ـ حسب قوله ـ.

كانت عبارة "الله يا فايزة" من الجمهور تسعدها كثيراً

ويؤكد الرواس أن فايزة أحمد لبنانية أباً عن جد. والدتها لبنانية وليست سورية كما يشاع ولديه هويات لكل من جدته وجده والدَي فايزة، تؤكد جنسيتهما اللبنانية ويستغرب كل هذا اللغط حول المسألة. ويضيف: إنها بعد طلاق والديها تزوجت أمها من السوري أحمد بيكو، وعاشت فايزة في حلب مع والدتها. ثم إنها توفيت في التاسع عشر من أيلول ودفنت في اليوم التالي. فيما نفوسها وولادتها، تؤكدهما ورقة رآها قبل أيام قليلة مع نجلها أكرم العابد الذي يقيم في الرياض اليوم.
ويضيف:
ـ عاصرت عمتي فترة طويلة في أيام الشباب، وتوطدت علاقتي بها إبان زياراتي لها في مصر، ولمدة عشرين سنة، تقريباً. وبخاصة حين كنت أعمل في طيران الشرق الأوسط، ومرة أغلق المطار إبان الحرب فقضيت هناك سنة ونصف سنة، كانت كافية للصداقة والتقارب والمناقشات الدائمة حول مشاكلها. وكانت آنذاك متزوجة من الملحن محمد سلطان، الرجل المحترم والذي أكنّ له التقدير، وهو الرجل الوحيد الذي أحبته فايزة وأحبها وعاشا معاً فترة طويلة قاربت السبعة عشر عاماً قبل أن يتسلل الضابط إلى حياة الأسرة ويدمرها.
ولديهما توأم عمرهما اليوم سبعة وثلاثون عاماً. عمرو وطارق. الأول دكتور يعمل رئيس قسم الأمراض العصبية في مستشفى بوردو في أميركا. وطارق دكتور أيضاً يعمل في روسيا.
كنت أجلس معها تشكي لي ونتباحث، وكنت أول طلعتي شهدت كل الصعاب التي واجهتها. ولم تكن هي من يخلق المشاكل كما كان يشاع، لكن المشاكل كانت تخلق لها، وهي كانت بموضع دفاع عن نفسها بعصبية، إذ كانت تخاف على موقعها والمكانة الفنية التي وصلتها، ونعرف إنه من أصعب الأمور أن يحافظ الإنسان على استمراريته في أي مجال، وبخاصة الفن الذي يعدّ عمره قصير نسبياً.
* ومن الذي حاربها في الوسط الفني؟
ـ عبد الحليم حافظ أول من حاربها. ثم وردة الجزائرية. في إحدى الحفلات التي كان يقيمها الملك الحسن الثاني في المغرب في عيد تولي العرش، ويدعو الكثير من الفنانين لإحيائها. طالب عبد الحليم باستثناء فايزة من الحفلة. وفي حفلة مشتركة في القاهرة قطع عنها التيار الكهربائي، لكنها رغم ذلك استمرت وكان صوتها القوي يعلو في الصالة. وبقيت فترة طويلة لا تغني في حفلة فيها عبد الحليم، وهو أيضاً كان يرفض أي حفلة فيها فايزة أحمد.
إلا أن فايزة كانت لديها طيبة غير عادية ورغم معرفتها بغيرة وردة منها إلا أنها في إحدى المرات التقتها في الشيراتون في حفل رأس السنة الذي كان يضم فنانين كثراً من لبنان ومصر. وجلست معها إلى طاولة واحدة، وفي اليوم التالي أصرت فايزة على تكريم وردة وعزمتها على حفلة في مناسبة عيد ملادها في أول السنة الجديدة. وأذكر جيداً إنها اهتمت بالفنانة سميرة سعيد عندما قصدت مصر من المغرب للمرة الأولى، وكنت أراها دائماً في بيتها. كانت تحتضن الفنانين القادمين إلى مصر وتهتم بهم. مثلاً أثناء الحرب اللبنانية استقبلت الكبير وديع الصافي وساهمت كثيراً في إقامته بعض الحفلات هناك. اهتمت بالسيدة سعاد محمد، تشجع من له موهبة وتتبناه. كانت لديها صداقات كثيرة مع كبار الفنانات والفنانين شادية ونجوى فؤاد، ومحمد عبد الوهاب.
التمثيل كرهته، بل كانت تكره نفسها ولا تحب رؤية الأفلام التي تعرض، وخاصة أنها كانت تشكو من نحافة زائدة، 40 كيلو غراماً فقط في تلك الفترة، حتى أنها كانت تلف القماش على خصرها لتبدو أكثر وزناً مما هي عليه.
أما أجمل شيء فيها طرافتها. كان لديها القدرة على تقليد الفنانين والمطربين بشكل كوميدي ساخر، وببراعة تامة. وحين لا تجد من تقلده، تقلّد نفسها، وتقول: إضرب. صاحبة نكتة بامتياز. سريعة البديهة ومن لا يعرفها يجهلها وتحب عمل الخير. ورغم أنها تبذل في سبيل الخير، ولم تكن بخيلة، إلا أنها كانت تفكر دائماً في المستقبل وتؤمن بشعار "خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود". وبالفعل استطاعت أن تؤمن مصاريف مرضها وسفرها، ولديها أملاك.
كانت رحمها الله دقيقة جداً في اختيار كلمات أغنياتها، كنت ألتقي الكثير من الشعراء والكتاب في بيتها. ولطالما شكت رحمها الله من قلة إفساح المجال لها في الإذاعات العربية. وأنها لم تأخذ حقها تماماً.
كنت أستمع إلى المشاكسات التلفونية التي تتلقاها. وفي مصر شاطرين فيها، ليلاً ونهاراً. كانت بعض المكالمات بذيئة وكثيرة. وتستفزها للردّ عليها بقوة، إذ كان ذلك يؤلمها ويثير أعصابها. وصفت بأنها عصبية، لكنها في الحقيقة كانت حساسة، مرهفة، بشكل كبير بسبب ما كانت تتعرض له، فكان عليها أن تناضل، بل أكثر من ذلك كانت تقوم بأعمال شاقة ، من أجل البقاء، وبالتالي أن تبقى متنبهة وحذرة ومستعدة في كل دقيقة لصدّ أي هجوم.
لكن في مقابل هذه المحاربة وجدت التكريم ونالت المكانة المرموقة، فحين كنت أخرج إلى جانبها أجد كبار الشخصيات يقدمون لها الاحترام والتقدير، ومعروف أن السادات كرّمها، وإبنة السادات صديقة لها وجارة في البناية. ورغم ذلك بقيت إنسانة بسيطة وطبيعية.
أجمل ما فيها أنها حين تعود إلى البيت، وأكون موجوداً، تتحدث معي باللهجة الصيداوية البحتة، وكأنها لم تعش في مصر كل تلك الفترة. تنسى اللهجة المصرية. كانت رحمها الله ست بيت عادية، وتحب الطبخ جداً. وتهتم بأولادها وبتزيين البيت.
أذكر أنها حين أحست بالمرض قالت لوالدتي، إنها تحس بشيء في صدرها. فحثتها والدتي على إجراء فحص عند الدكتور، لكنها كانت تخاف، وحتى آخر لحظة قبل وفاتها لم تكن تؤمن إنها ستموت، كانت تجلس على البحر، تغطي جسدها بالرمل الساخن، وتعرض جسدها للشمس لعل الأشعة تشفي مرض الروماتيزم الذي اعتقدته لديها. حين كانت تسمع بأحد مريض بالسرطان الذي توفيت به فيما بعد، كانت تقفز فزعة وتقول، مع إشارة بيدها: "يالطيف. كشّ برّه وبعيد... عليه السلام، ما حدا يجيب سيره".
خلافها مع زوجها سلطان، حسب ما حدّثني إبنهما، إنها حكايات الغيرة والنكايات، والضابط استغل فرصة بعض الخلافات، ومن ثم أصبح أساس الخلاف.
بعد الطلاق قال لي إبنه: "كان والدي ضايع". ولم يهدأ لأولادهما بال إلا بعد أن أعادوا لم شمل والدهما تحت سقف واحد، من جديد.
أما لبنان فكان يعني لها الكثير وبالدرجة الأولى كان يعني لها الأهل والأقرباء والحنين، وغالباً ما تتحدث عن ذكرياتها أيام الطفولة، إلا أن زياراتها كانت سرية، لأن الشهرة تعكر عليها لحظات الراحة من عناء العمل والصحافة تلاحقها، لذلك تأتي بسرية أحياناً إلى لبنان. تتفقد أخوتها وبيتها تسأل عن أخوتها وبخاصة أختها نظمية. وكان لديها شقتان في عمارة يعقوبيان، استطاع نجلها أكرم العابد منذ أيام أن يخليها من محتليها، لكن الصحافة كانت غالباً تعرف بوجودها، فينهال عليها الصحفيون والمنتجون والمصورون وغيرهم.
أما عن طفولتها فلا أعتقد أن المسألة بهذه القسوة أو المعاناة التي كانوا يتحدثون عنها. هي طفولة عادية مثل أي طفولة أخرى. صحيح أنها افتقدت وجود أب يحيطها بالحماية والحنان، إلا أن والدتها كانت لها أماً وأباً في الوقت نفسه. أذكر جدّتي (والدتها) شديدة كما هي عمتي (فايزة) والعواصف لم تحنِها، فاحتضنتها بكل ثقة وعطف وحنان.
وحول رأي العائلة بفايزة أحمد ومدى رضاهم عن مسيرة الراحلة، يقول الرواس:
أهم ما أذكره أن جدّتي، أم فايزة، كانت تعزف على العود وكانت تعزف لفايزة وتغني. في صيدا كانت تنتشر في ذلك الوقت الحمامات النسائية والرجالية. كان كل من جدي وجدتي يملكان حمام "السبع بنيات"، في أوقات النساء كنّ يجتمعن، جدتي تعزف على العود وعمتي تغني. يعني أم فايزة أول من اكتشف موهبة ابنتها، وكانت في ذلك الوقت لمّا تبلغ العاشرة. كان هناك موسيقي من بيت زنتوت هو أول من علمها العزف على العود وليس أحمد بهيج طبارة كما ذكر في الصحف.
وأيضاً على عكس ما كتب، قالت لي بأنها تقدمت إلى الإذاعة اللبنانية سقطت، أو بالأحرى سقّطوها، فيما نجحت في الإذاعة السورية في حلب. وقالت بأن في الإذاعة اللبنانية شلّة ممنوع أن يخترقها أحد غير فيروز وبعض الأخريات الثانويات. وفي حلب نجحت في النوادي والكازينوهات، وبعد فترة أعجب بصوتها الملحن السوري محمد محسن وقدمها إلى الإذاعة السورية ونجحت ومن ثم ذهبت إلى دمشق وتزوجت من عمر نعامي، ومنها إلى الاسكندرية حيث أحيت حفلة على الهواء لمناسبة تأسيس الجامعة العربية، ومن هناك انطلقت في مصر.
أما أكثر الملحنين التي كانت تحب أن يلحنوا لها فهو محمد عبد الوهاب. رغم أن جميع من لحنوا لها نجحت معهم ونجحوا في تقديم صوتها وإمكاناته. يكفي أنه لحن لها "ست الحبايب"، الخالدة.
الطريف أنها لم تكن تحب الغناء أو الدندنة أمام أحد. بل كانت تكره حتى سماع صوتها، وحين يضع أحد ما تسجيلاً لها، ترفض سماعه وتطلب منه إقفال الجهاز. وكألحان كانت معجبة جداً بألحان زوجها محمد سلطان، وكانت بدأت معه بالأغاني الشعبية البسيطة التي نالت الكثير من النجاح مثل "آخد حبيبي" وغيرها ومن ثم القصائد والأغنيات الطويلة، والصعبة.
يقول الرواس، أنا أحب كل أغنياتها، وأحفظها غيباً، وشرائطها في السيارة أسمعها أثناء القيادة والتنقل. وأعشق أغنيتها الأخيرة لرياض السنباطي، "لا ياروح قلبي أنا"، التي أكملها بعد وفاته نجله الفنان أحمد السنباطي بعد أن مرض والده ولم يستطع إكمالها. وأعتقد أن هذه الأغنية من أجمل ما غنت فايزة في حياتها على الإطلاق. غنت بإحساس رهيب، ربما لأنها كانت تعاني من الآم مبرحة وتعرف تماماً إنها خاتمة أغنياتها وحياتها الفنية، لأن المرض كان متقدماً جداً لم يمهلها بعد ذلك سوى أشهر قليلة. يقول الرواس، إن عمرو نجل الراحلة كان منذ أيام في لبنان حيث قضى بعض الوقت. ركبنا معاً في السيارة وأدرت المسجل كالمعتاد لسماع أغنية "لا ياروح قلبي أنا"، إلا أنه شعر بانقباض في قلبه، وطالبني بإقفال المسجل. قال والدموع في عينيه: أرجوك، لا أستطيع سماعها.
أولادها يفتقدونها كثيراً، لأنهم لم يشبعوا من حنانها، بسبب العمل الفني المضني الذي كان يأخذ من وقتها الكثير، وهم يذكرون ذلك ويتمنون لو أنهم نالوا نصيبهم من حنانها الفائض. كانت حنونة جداً ولطالما لعنت الساعة التي اتجهت فيها إلى الفن الذي أخذها من أولادها.

محمد سلطان ماذا يقول عن فايزة أحمد
في كل مرة يستعيد محمد سلطان ذكرياته مع فايزة، يتحدث عنها بحب وإنصاف. ولطالما كان يصحح للصحافيين الالتباس الحاصل في جنسيتها ويؤكد لهم بأنها لبنانية المولد والجنسية، يقول في حديث مع صحافي مصري:
ـ إسمح لي أن أصحح خطأ شائعاً استقر في أذهان الناس وهو أن فايزة سورية. وهذا غير صحيح فهي من مدينة صيدا بجنوب لبنان حيث ولدت وعاشت سنوات حياتها الأولى. أما الخطأ الشائع فقد نتج عن أنها حينما أتت إلى القاهرة كانت تحمل الجنسية السورية نتيجة زواجها من أحد الضباط السوريين، وعندما استقر بها المقام في القاهرة كانت شديدة الحرص على الحصول على الجنسية المصرية التي أصبحت من حقها بعد زواجي منها. وكثيراً ما ألحّت في طلبها حتى حصلت عليها.
ولأنها كانت تشعر بانتمائها القوي لمصر التي صنعت اسمها ونجوميتها والذي وضح من خلال أدائها للأعمال الوطنية التي تغنت بحب مصر، فهي رغبت في استكمال جوانب هذا الانتماء شكلاً ومضموناً بالحصول على الجنسية المصرية. والعجيب ـ حسب سلطان ـ أن التعرض لمصرية فايزة أحمد التي لا تقبل الشك كان في أحيان كثيرة سلاح الحاقدين في الهجوم عليها وهو أشد ما كان يؤلمها.
ويذكر إنه التقى بالراحلة في منزل الفنان فريد الأطرش ثم بعد ثلاثة أعوام غنت له "رشوا الفل مع الياسمين"، ثم "أأمر يا قمر أمرك ماشي". ثم توالت ألحاني لها وزاد الإعجاب إلى درجة الحب العميق الذي انتهى بالزواج في التاسع من تموز عام 1964.
وعن صفات فايزة قال سلطان:
ـ لم أعرف فناناً يحب فنه ويغار عليه مثلما كانت فايزة أحمد تحبه وتخلص له. كان القلق ينتابها عندما تكون على أبواب حفلة تحييها. لا تنام، لا تأكل، ولا تشرب وتظل في حالة الاستعداد الدائم حتى تنتهي الحفلة. وكان من الممكن أن تمرض لو علمت أن الجمهور لم يتقبل ما غنت. وكانت عبارة "الله يا فايزة" من الجمهور تسعدها إلى درجة شديدة. ورغم ذلك كانت تتقبل النقد برحابة صدر سواء لامس هذا النقد فنها أو شخصها.
كانت سيدة بيت تعدّ الطعام بنفسها، ولم أكن آكل إلا من صنع يديها، خاصة في شهر رمضان. تتقن فن إعداد الطعام وترتيب البيت وحتى الديكور وخلافه، وكانت تحمل في داخلها شحنات من الحنان لا حدود لها وعلى الأخص تجاهي وتجاه أولادنا. كنا نختلف كأي زوجين لكن خلافاتنا لم تكن لتدوم طويلاً ويعود الوفاق سريعاً وهذا ساهم في تكوين حياة هانئة لفترة طويلة. ولا أنسى موقفها تجاه والديها، فرغم انفصالهما كانت بارة بهما تزورهما وتلبي احتياجاتهما. لم تحقد على إنسان مهما بلغت إساءته لها.
أما عن مقولة احتكاره لصوت فايزة، الذي أغضب باقي الملحنين وأبعدهم عنها، قال:
ـ حين تعرفت إلى فايزة أوائل الستينات وجدتها تعتزم الرحيل عن مصر، وكانت تعاني من انصراف الملحنين كل واحد إلى صوت معين. فعبد الوهاب لا يلحن إلا لنجاة الصغيرة، وأم كلثوم. ومحمد الموجي وكمال الطويل يحتكران صوت عبد الحليم حافظ . ولم تجد نفسها وصوتها مع ملحن يستطيع أن يعبر عنه. ولكني أقنعتها بالبقاء فوافقت، وعندما سمعت ألحاني أعجبت بها ثم غنتها. وتعاقبت ألحاني لها وكان نجاحها هو سرّ ارتباطنا الفني الدائم. وليس معنى ذلك أنني احتكرت صوتها، والدليل أنها غنت من ألحان محمد عبد الوهاب والموجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي وجمال سلامة وغيرهم.
وكما في كل مرة يعرب سلطان عن عدم رغبته في الخوض في خلافهما الأخير الذي أدى إلى الطلاق، ويكتفي بالقول إنه أعادها إلى عصمته بناء لرغبتها ورغبة الأولاد والتأم شمل العائلة قبل وفاتها بأيام قليلة.
كانت هناك فكرة من أحد المنتجين لفيلم يتناول حياتها. لكنها لم تر النور لأن الفيلم ـ حسب سلطان ـ يجب أن يليق باسم ومكانة وعطاء فايزة أحمد وكفاحها. يجب أن أكون متأكداً من صدق المعالجة السينمائية وقدرتها على التعبير عن معاناة فايزة ورحلتها المضنية حتى وصلت إلى القمة. لقد غنت وهي في الثامنة لكي تصرف على والدتها وأخوتها. وفي القاهرة واجهت حرباً ضروساً من أولئك الذين يؤلمهم نجاح غيرهم. كل ذلك يجب أن يعكسه بصدق أي فيلم يتناول قصة حياة فايزة أحمد.
وكانت من أهم عقبات إتمام الفيلم، الشخصية التي تقوم بدورها... صحيح هناك مطربات جيدات، وممثلات جيدات، لكن بكل صراحة ليس فيهن من تستطيع أن تجسد شخصية فايزة بكل أبعادها الإنسانية والفنية.
أما عن صوتها فيقول:
ـ صوت شجي وشديد الأصالة. وهو أيضاً قوي وواضح النبرات لا تخطئه الأذن. صوت يتمتع بثقافة موسيقية واسعة وخبرة عملية عريضة اكتسبتها منذ أن كانت في الثامنة. كل ذلك جعله صوتاً شديد الخصوصية وغير قابل للتقليد.
حين اقترنت بفايزة كانت مطربة معروفة لها أغنياتها الناجحة وكنت ما زلت في بداية الطريق. منحتني صوتها الذي كان أثبت وجوده بالفعل ليصبح قناتي الشرعية وواجهتي التي أقدم من خلالها نفسي للأذن العربية، وسلاحي الفعال في معركة إثبات ذاتي كفنان.
وعن إضافته لصوتها قال:
ـ بلورتُ ملامح الشخصية الغنائية المتميزة عندها، وحددتُ إلى درجة كبيرة أسلوب أدائها مع إعطائها في ذات الوقت فرصة تقديم كافة أنواع الغناء.
وأخيراً يقول: بغياب فايزة، فقدت "فاترينتي" ذات الموقع الاستراتيجي التي كنت أعرض بضاعتي فيها، ومع احترامي لكل الأسماء الغنائية الحالية فإن أحداً منها لا يطاول قامة فايزة أحمد وقدراتها الصوتية العالية. وعلى الجانب الآخر فإن الجو الغنائي الذي نعيشه اليوم لا يساعد على ظهور أية أعمال كبيرة ولا أقصد الكبيرة من حيث مدتها، بل من حيث تأثيرها في الجمهور. فجمهور اليوم ليس لديه الوقت كي يتأثر بأية أغنية أو حتى الاستماع إليها، فقد تحول إلى مجموعة من الراقصين تهتز مع إيقاعات الأغنية بدلاً من أن يستمعوا إليها كما في الماضي.
ولم تكن فايزة ضد التطور ولكن بشرط أن يتم بطريقة صحيحة. لقد تعرضنا للهجوم أنا وهي حين قدمنا مجموعة من الأغنيات القصيرة والسريعة مثل: "حبيتك وبداري عليك"، "إنساني" "دنيا جديدة"، و "على وش القمر" واتهمونا بإدخالنا الدرامز والآلات الحديثة، فماذا يقول من هاجمنا أيامها عما يسمعه اليوم؟ أعتقد أنها لو عاشت لقدمت كل ما هو عصري ومتطور في إطار الذوق الشرقي حتى لو استفادت من تكنولوجيا الغرب.
وماذا تبقى من فايزة بعد سنوات على غيابها يقول محمد سلطان:
"كل شيء.. صدقوني، كل شيء...فايزة أحمد فنانة عظيمة لن تموت".
وماذا تقول فايزة عن سلطان
ـ لقد لعب القدر لعبته. فأول مرة رأيته فيها، كان ذلك في منزل فريد الأطرش. وبعد عام رأيته مرة ثانية في أحد الفنادق وعرفوني به من جديد. إلى أن مرت سنة أيضاً لم أره فيها، ومن ثم التقيته في الاسكندرية. وفي إحدى المرات قالت لي إحدى الصديقات: لازم تغيري جو وتخرجي. قلت لها: إذا كنت عايزة أخرج إلى الحياة، كلّميلي محمد سلطان.. ومرت ستة أشهر لم يأت فيها محمد إلى القاهرة وعندما جاء اتصلت به وكان منهمكاً بعيد ميلاد أحد أصحابه، وشاهدته في اليوم نفسه فأدركت أنني تعلقت به.
وبعد نجاحنا معاً في الأعمال، كان محمد قد درسني جيداً فهو ينشد الأخلاق ويضعها في المرتبة الأولى. ويهمه من المرأة أن تكون له وتحافظ على اسمه. أخبرني أنه معجب بصوتي ولم يكن معجباً بي كامرأة. وبعدما أحس بي كإنسانة أصلح له زوجة تزوجنا.
...كل سيدة تحتاج إلى رجل يقف إلى جانبها ويحميها. ولقد وجدت في سلطان من الرعاية والحنان والأخلاق الكريمة صفات شجعتني على الزواج منه. وكان حبنا مقدراً له أن يكبر ويستمر ويثمر فأثمر عن طارق وعمرو ربنا يخليهم.
وفي أحد اللقاءات الأخيرة لها مع إحدى الصحف طلبت من الصحافي عدم التطرق إلى حياتها العاطفية قالت:
ـ كرهت الزواج. والرجل أسقطته إلى الأبد من حياتي. حاسبوني على أغنياتي. أين أصبت وأين فشلت فأنا ولدت مطربة أولاً وثانياً وثالثاً. وفشلت كزوجة وأم ومديرة أعمال. اليوم عرفت أنني مطربة فقط. ولن يدون تاريخي الفني إلا أسماء أغنياتي. وطالما عرفت نفسي، فلن أجعل لساني يتفوه بكلمة إلا إذا نطق بأغنية جديدة.
وعن ألحانه تقول:
أفدت من مواهبه بقدر ما كان صوتي في خدمة ألحانه، واستطعنا أن نقدم طيلة هذا العمر أعذب الألحان وفي شتى مجالات الغناء. وعن أجمل ألحانه، قالت: لا يعادل أعمال سلطان العاطفية قيمة أو تراثاً سوى إبداعاته الوطنية والدينية وتشهد على ذلك أرقام توزيع أشرطتها.

 

 

Vنظام تعديل كامل

Vتعديل سريع

 







http://www.arabicstory.net/forum/style_images/2/spacer.gif

نقلا عن أنيس منصور : http://www.ahram.org.eg/Archive/1999/6/26/.../AMOD5.HTMفايزه أحمد ماتت وهي لاتعرف انها اجمل صوت بعد أم كلثوم‏.‏ ولكن كانت مشغولة بأحلام طائشة وهي ان يكون لها فساتين أكثر من صباح‏,‏ وأن ترقص وتغني مثل سعاد حسني وان تمثل مثل شادية وأن يكون لها شموخ أم كلثوم‏.‏ وهذا امل كل فنانة‏,,‏ ولكن مستحيل ان يتحقق كل هذا في عمر واحد أو في نفس واحد‏!‏
وكانت فايزة احمد تقلد اصوات المطربات جميعن‏.‏ وكانت بارعة ومضحكة ايضا‏.‏ وفي احدي المرات حاولت ان تسخر من صوت ام كلثوم فهددتها بأن طابورا من القتلة سوف يقف من هنا حتي دمشق التي تقول انها بلدها أو لبيروت التي تدعي انها ولدت فيها‏,‏ او اسيوط التي لاتزال فروع من عائلتها تعيش هناك‏.‏ ولكن فايزة احمد سورية كما ان صباح ونجاح سلام وسعاد محمد ونور الهدي لبنانيات‏..‏
ومن اجمل الاغنيات القصيرة في تاريخ الغناء العربي هي التي غنتها فايزة احمد للموسيقار محمد سلطان‏.‏ واغنياتها القصيرة فيها رقة وخفة وجمال ودلال وشجن‏.‏ إلا اغنيه واحدة لشادية من تلحين بليغ حمدي‏.‏ وهي اغنيه يا أسمراني اللون‏..‏ فليس لها مثيل في النعومة والهمس واللمس والجمال‏..‏
والآن انت تحتاج الي مجهود كبير لتعد علي اصابع اليد الواحدة أجمل الاغنيات الشابة أو الشبابية‏.‏ ولا اعرف معني الاغنية الشابة أو الشابية‏-‏ الا ان الذي يغنيها شاب‏.‏ ولكن اكثر هذه الاغنيات ليس فيها من حيوية الشباب شيء‏.‏ فهي لشاب مقطوع النفس مشروخ الحنجرة متهتك الحبال الصوتية مسدود الانف اصفر اخضر اللون معدوم العافية‏.‏ فاذا توجع وتثني وتكسر فليس افتعالا للرقة وانما اظهار للانيميا الحادة التي اصابته بسبب الهلس والسهر والشرب والدخان الازرق‏-‏ وهي مقدمات العمر القصير جسميا وفنيا‏..‏
ولا أم كلثوم ولا عبد الوهاب ولا عبد الحليم عرفوا السجائر والخمور والتخمة والانشغال لحظة واحدة عن المعاناة من اجل الفن الرفيع الذي رفعهم وارتفعوا به وعاش بهم وعاشوا له‏,‏ ويعيش بعدهم‏.‏ اما الذي تسمعه الآن فأكثره يبعث علي المغص والأسف والدهشة‏.‏ ونشرها القنوات الكثيرة التي عندنا‏..‏ وكلما انتشر ازداد الناس حبا لام كلثوم وعبد الحليم حافظ‏!‏
وانت عندك مقياس لا يخطيء وهو ان الاغنية التي تسمعها وتقول‏:‏ الله‏..‏ هي الاغنية التي أطربتك وأسعدتك وتحب لصاحبها العمر الطويل‏.‏ فهل هناك اغنية واحدة فيها جملة واحدة عندما تسمعها تقول‏!‏ الله‏..‏ ربما قلت‏:‏ الله يأخدك انت والمؤلف والملحن والمنتج‏.‏ وانا اعتقد ان الشوشرة التي تسمعها وانت تتابع مثل هذه الاغاني هل لعنات الملايين تكسرت علي الميكروفونات‏!‏